سورة طه - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{قَالَ} استئنافٌ مبني على سؤال نشأ من حكاية اعتذارِه عليه الصلاة والسلام وهو السرُّ في وروده على صيغة الغائبِ، لا أنه التفاتٌ من التكلم إلى الغَيبة لما أن المقدرَ فيما سبق من الموضعين على صيغة التكلم، كأنه قيل من جهة السامعين: فماذا قال له ربه حينئذ؟ فقيل: قال: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ} أي ابتليناهم بعبادة العِجل من بعد ذهابك من بينهم وهم الذين خلّفهم مع هارونَ عليه الصلاة والسلام، وكانوا ستَّمائة ألفٍ ما نجا منهم من عبادة العجل إلا اثنا عشرَ ألفاً، والفاءُ لترتيب الإخبار بما ذكر من الابتلاء على إخبار موسى عليه الصلاة والسلام بعجَلته لكن لا لأن الإخبارَ بها سببٌ موجبٌ للإخبار به، بل لما بينهما من المناسبة المصحِّحة للانتقال من أحدهما إلى الآخر من حيث إن مدارَ الابتلاءِ المذكور عجَلةُ القوم، فإنه روي أنهم أقاموا على ما وصّى به موسى عليه الصلاة والسلام عشرين ليلةً بعد ذهابه فحسَبوها مع أيامها أربعين، وقالوا: قد أكملنا العدةَ وليس من موسى عليه الصلاة والسلام عينٌ ولا أثر {وَأَضَلَّهُمُ السامرى} حيث كان هو المدبرَ في الفتنة فقال لهم: إنما أخلفَ موسى عليه الصلاة والسلام ميعادَكم لما معكم من حُلِيّ القوم وهو حرامٌ عليكم فكان من أمر العجل ما كان، فإخبارُه تعالى بوقوع هذه الفتنةِ عند قدومِه عليه الصلاة والسلام إما باعتبار تحققِها في علمه تعالى ومشيئتِه، وإما بطريق التعبيرِ عن المتوقَّع بالواقع كما في قوله تعالى: {وَنَادَى أصحاب الجنة} ونظائرِه، أو لأن السامريَّ كان قد عزم على إيقاع الفتنةِ عند ذهاب موسى عليه الصلاة والسلام وتصدّى لترتيب مبانيها وتمهيدِ مباديها فكانت الفتنةُ واقعةً عند الإخبار بها، وقرئ: {وأضلُّهم السامريُّ} على صيغة التفضيلِ أي أشدُّهم ضلالاً لأنه ضالٌّ ومُضلٌّ، والسامريُّ منسوبٌ إلى قبيلة من بني إسرائيلَ يقال لها السامرة، وقيل: كان عِلْجاً من كَرْمان، وقيل: من أهل باجرما واسمُه موسى بنُ ظفر وكان منافقاً قد أظهر الإسلام وكان من قوم يعبدون البقر.
{فَرَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ} عند رجوعِه المعهود أي بعدما استوفى الأربعين وأخذ التوراة لا عَقيبَ الإخبار بالفتنة، فسببيةُ ما قبل الفاء لما بعدها إنما هي باعتبار قيد الرجوعِ المستفاد من قوله تعالى: {غضبان أَسِفًا} لا باعتبار نفسه وإن كانت داخلةً عليه حقيقةً فإن كونَ الرجوعِ بعد تمام الأربعين أمرٌ مقرّرٌ مشهورٌ لا يذهب الوهمُ إلى كونه عند الإخبار بالفتنة، كما إذا قلتَ: شايعتُ الحُجاجَ ودعوتُ لهم بالسلامة فرجعوا سالمين، فإن أحداً لا يرتاب في أن المراد رجوعُهم المعتادُ لا رجوعُهم إثرَ الدعاء وأن سببيةَ الدعاءِ باعتبار وصفِ السلامة لا باعتبار نفس الرجوعِ، والأسِفُ: الشديدُ الغضب، وقيل: الحزين {قَالَ} استئنافٌ مبني على سؤال ناشىء من حكاية رجوعِه كذلك، كأنه قيل: فماذا فَعل بهم؟ فقيل: قال: {قَالَ ياقوم أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} بأن يُعطيَكم التوارةَ فيها ما فيها من النور والهدى، والهمزةُ لإنكار عدم الوعدِ ونفيِه وتقريرِ وجودِه على أبلغ وجه وآكَدِه، أي وعَدكم بحيث لا سبيلَ لكم إلى إنكاره، والفاء في قوله تعالى: {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العهد} أي الزمان للعطف على مقدر والهمزةُ لإنكار المعطوفِ ونفيه فقط، أي أوعدكم ذلك فطال زمانُ الإنجاز فأخطأتم بسببه {أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ} أي يجبَ {عَلَيْكُمْ غَضَبٌ} شديدٌ لا يقادرَ قدرُه كائنٌ {مّن رَّبّكُمْ} أي من مالك أمرِكم على الإطلاق {فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِى} أي وعْدَكم إياي بالثبات على ما أمرتُكم به إلى أن أرجِع من الميقات على إضافة المصدرِ إلى مفعوله للقصد إلى زيادة تقبيحِ حالِهم، فإن إخلافَهم الوعدَ الجاريَ فيما بينهم وبينه عليه السلام من حيث إضافتُه إليه عليه السلام أشنعُ منه من حيث إضافتُه إليهم، والفاءُ لترتيب ما بعدها على كل واحد من شِقَّي الترديد على سبيل البدلِ، كأنه قيل: أنسيتم الوعدَ بطول العهد فأخلفتموه خطأً أم أردتم حلولَ الغضب عليكم فأخلفتموه عمْداً؟ وأما جعلُ الموعدِ مضافاً إلى فاعله وحملُ إخلافه على معنى وجدانِ الخلُف فيه، أي فوجدتم الخُلفَ في موعدي لكم بالعَود بعد الأربعين فما لا يساعده السباقُ ولا السياق أصلاً.


{قَالُواْ مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ} أي وعدَنا إياك الثباتَ على ما أمرتَنا به، وإيثارُه على أن يقال: موعدَنا على إضافة المصدرِ إلى فاعله لما مر انفاً {بِمَلْكِنَا} أي بأن ملَكنا أمورَنا يعنون أنا لو خُلّينا وأمورَنا ولم يسوّل لنا السامريُّ ما سوله مع مساعدة بعضِ الأحوالِ لما أخلفناه، وقرئ: {بمِلْكنا} بكسر الميم وضمِّها والكلُّ لغاتٌ في مصدر ملَكتُ الشيءَ {ولكنا حُمّلْنَا أَوْزَاراً مّن زِينَةِ القوم} استدراكٌ عما سبق واعتذارٌ عما فعلوا ببيان منشأ الخطأ، وقرئ: {حَمَلنا} بالتخفيف أي حمَلْنا أحمالاً من حُليِّ القِبْط التي استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصرَ باسم العُرس، وقيل: كانوا استعاروها لعيد كان لهم ثم لم يردّوها إليهم عند الخروجِ مخافةَ أن يقفوا على أمرهم، وقيل: هي ما ألقاه البحرُ على الساحل بعد إغراقهم فأخذوها، ولعل تسميتهم لها أوزاراً لأنها تبعاتٌ وآثامٌ حيث لم تكن الغنائمُ تحِلّ حينئذ {فَقَذَفْنَاهَا} أي في النار رجاءً للخلاص عن ذنبها {فَكَذَلِكَ} أي فمثلَ ذلك القذف {أَلْقَى السامرى} أي ما كان معه منها وقد كان أراهم أنه أيضاً يُلقي ما كان معه من الحُليّ فقالوا ما قالوا على زعمهم، وإنما كان الذي ألقاه التربةَ التي أخدها من أثر الرسولِ كما سيأتي، روي أنه قال لهم: إنما تأخر موسى عنكم لما معكم من الأوزار فالرأي أن نحفِرَ حفيرةً ونسجّر فيها ناراً ونقذفَ فيها كلَّ ما معنا ففعلوا.


{فَأَخْرُجْ} أي السامريُّ {لَهُمْ} للقائلين {عِجْلاً} من تلك الحُلِيّ المُذابة، وتأخيرُه مع كونه مفعولاً صريحاً عن الجار والمجرور لما مر مراراً من الاعتناء بالمقدم والتشويقِ إلى المؤخر مع ما فيه من نوع طول يُخِلّ تقديمُه بتجاوب أطرافِ النظمِ الكريم فإن قوله تعالى {جَسَداً} أي جُثةً ذا دم ولحمٍ، أو جسداً من ذهب لا روحَ له بدلٌ منه وقوله تعالى: {لَّهُ خُوَارٌ} أي صوتُ عجلٍ، نعتٌ له {فَقَالُواْ} أي السامريُّ ومن افتُتن به أولَ ما رآه {هذا إلهكم وإله موسى فَنَسِىَ} أي غفَل عنه وذهب يطلُبه في الطور، وهذا حكايةٌ لنتيجة فتنةِ السامريّ فعلاً وقولاً من جهته تعالى قصداً إلى زيادة تقريرِها، ثم ترتيبِ الإنكار عليها لا من جهة القائلين وإلا لقيل: فأخرج لنا، والحملُ على أن عدولَهم إلى ضمير الغيبة لبيان أن الإخراجَ والقولَ المذكورَيْن للكل لا للعَبَدة فقط خلافُ الظاهر مع أنه مُخلٌّ باعتذارهم، فإن مخالفةَ بعضهم للسامري وعدَم افتتانِهم بتسويله مع كون الإخراجِ والخطاب لهم مما يهوّن مخالفتَه للمعتذرين، فافتتنانُهم بعد ذلك أعظمُ جنايةً وأكثر شناعةً. وأما ما قيل من أن المعتذرين هم الذين لم يعبُدوا العجلَ وأن نسبة الإخلافِ فيما بيننا بأمر كنا نملِكه، بل تمكنت الشبهةُ في قلوب العبَدةِ حيث فعل السامريُّ ما فعل فأخرج لهم ما أخرج وقال ما قال، فلم نقدِرْ على صرفهم عن ذلك ولم نفارقهم مخافةَ ازديادِ الفتنة فيقضي بفساده سباقِ النظمِ الكريم وسياقه وقوله تعالى: {أَفَلاَ يَرَوْنَ} الخ، إنكار وتقبيحٌ من جهته تعالى لحال الضالّين والمُضلّين جميعاً وتسفيهٌ لهم فيما أقدموا عليه من المنكَر الذي لا يشتبه بطلانُه واستحالتُه على أحد وهو اتخاذُه إلها، والفاءُ للعطف على مقدر يقتضيه المقامُ، أي ألا يتفكرون فلا يعلمون {أَن لا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً} أي أنه لا يرجِعُ إليهم كلاماً ولا يرد عليهم جواباً، فكيف يتوهّمون أنه إله؟ وقرئ: {يرجَع} بالنصب، قالوا: فالرؤية حينئذ بصريةٌ فإن أن الناصبةَ لا تقع بعد أفعالِ اليقين أي ألا ينظرون فلا يُبصرون عدمَ رجْعِه إليهم قولاً من الأقوال، وتعليقُ الإبصار بما ذُكر مع كونه أمراً عدمياً للتنبيه على كمال ظهورِه المستدعي لمزيد تشنيعِهم وتركيكِ عقولِهم، وقوله تعالى: {وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً} عطف على لا يرجعُ داخلٌ معه في حيز الرؤية، أي أفلا يرون أنه لا يقدر على أن يدفعَ عنهم ضرًّا أو يجلُبَ لهم نفعاً، أو لا يقدر على أن يضرَّهم إن لم يعبدوه أو ينفعَهم إن عبدوه {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هارون مِن قَبْلُ} جملةٌ قسميةٌ مؤكدة لما قبلها من الإنكار والتشنيع ببيان عُتوِّهم واستعصائِهم على الرسول إثرَ بيانِ مكابرتهم لقضية العقولِ، أي وبالله لقد نصح لهم هارونُ ونبّههم على كُنه الأمرِ من قبل رجوعِ موسى عليه الصلاة والسلام إليهم وخطابِه إياهم بما ذكر من المقالات، وقيل: من قبل قولِ السامري كأنه عليه السلام أو وما أبصره حين طلع من الحفيرة توهم منهم الافتتانَ به فسارع إلى تحذيرهم وقال لهم: {ياقوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ} أي أُوقِعتم في الفتنة بالعجل أو أُضللتم به على توجيه القصر المستفادِ من كلمة إنما إلى نفس الفعل بالقياس إلى مقابله الذي يدّعيه القومُ، لا إلى قيده المذكورِ بالقياش إلى قيد آخرَ على معنى إنما فُعل بكم للفتنةُ لا الإرشادُ إلى الحق، لا على معنى إنما فتنتم بالعجل لا بغيره وقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن} بكسر إن عطفاً على إنما، إرشادٌ لهم إلى الحق إثرَ زجرهم عن الباطل، والتعرّضُ لعنوان الربوبيةِ والرحمة للاعتناء باستمالتهم إلى الحق كما أن التعرضَ لوصف العجل للاهتمام بالزجر عن الباطل، أي إن ربكم المستحقَّ للعبادة هو الرحمن لا غيرُ، والفاء في قوله تعالى: {فاتبعونى} لترتيب ما بعدها على ما قبلها من مضمون الجملتين، أي إذا كان الأمرُ كذلك فاتبعوني في الثبات على الدين {وَأَطِيعُواْ أَمْرِى} هذا واترُكوا عبادةَ ما عرفتم شأنه.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13